تأثر النثر الكلامي (الفلسفي) بما ترجم
من منطق اليونان. وأثر في النثر نشاط اللغويين الذين دأبوا على جمع مادة اللغة االفصحى
السليمة، بدافع ديني وقومي، ليحموها من تحريف الموالي ومن انحدارهم بها إلى مجرد أداة
للتعبير عن شؤون الدولة في الإدارة والقضاء. وبذلك نشط جمع التراث، ليصبح أساساً لكل
العلوم الإنسانية. وبدأ تأليف كتب ضبط اللغة وقواعدها، فألف الخليل "العين"
(791) وألف سيبويه (796) "الكتاب"، كما ألف أبو عبيدة (825)، والأصمعي
(831). وفي هذا العصر جمع التاريخ.
وألف في الفقه الحنفي في العراق (أبو يوسف –
898) والمالكي في المدينة "موطأ" مالك بن أنس (795). ألف الشافعي بعدهما
"الأم"، وهو أساس تشريع السنة. وفي فجر القرن 3 كان نثر الدراسات التاريخية
والدينية ينافس النثر الفني لكتاب الدواوين. وجاء الجاحظ (769) أبو النثر الحديث برسائله
ومؤلفاته العديدة في شتى أبواب المعرفة ليصل بهذه المعلومات، بنثره الممتاز وشخصيته
القوية، إلى مستوى عامة المثقفين. ولم تحل مشكلة المواءمة بين نثر العلوم ونثر الكتاب
إلا بعد الجاحظ. ونتج عن ذلك استقلال الشعر بالميدان الخيالي البحت، وبعده عن واقع
الحياة، وفقد النثر شيئاً من روائه ورونقه وأخذ يعبر عن حياة المجتمع. وللجاحظ فضل
اشاعة أثر الثقافة اليونانية التي احتضنها المأمون، وأنشأ لها "بيت الحكمة"
لنقلها إلى العربية، وفي منتصف القرن 9 دخل الورق المصنوع في الشرق الأقصى إلى الدولة،
فسهل الاتصال بين مراكز الثقافة فيها، من سمرقند، إلى القيروان، إلى الأندلس.
قاوم النثر القديم الشعوبية في الأدب، حتى
جاء ابن قتيبة (889) فأوجد الحل في مزج الثقافة العربية بكل ما أثر عن ثقافة الفرس.
وذاعت الرسائل والأعمال الأدبية التي تصور التقاء الثقافات الثلاث: العربية، الهيلينية،
والفارسية، وظهرت الفلسفة العربية الجديدة، بفضل الترجمات التي قام بها ابن لوقا
(835) وحنين بن إسحق (873) وابنه إسحق (910).
توالى عظماء الفلاسفة المسلمين: الكندي
(850) والفارابي (950) وابن سينا (1037)، كما ظهر التأليف في الرياضة والفلك والطب،
وإن يكن هذا النثر علمياً، فإنه بأفكاره وأساليبه أثر في تطور النثر الفني. وفي الجغرافيا،
كان التأليف ألصق بالفن الأدبي، وظهرت كتب عن مغامرات البحار والعجائب، مقتبسة أو معربة.
ووجدت "المكتبة الجغرافية" وأشهر من ألفوا كتبها: الخوارزمي (844) وابن خرداذبة
(844). ولمقاومة أثر الفلسفة اليونانية عند المعتزلة، نشط التأليف الفقهي، وخرجت كتب
الحديث: البخاري، ومسلم والترمذي، وابن داود، وابن ماجه والنسائي، ثم "مسند"
ابن حنبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق