اعلان دار اعلى

السبت، 18 أكتوبر 2014

علم النحو

النحوُ هو علمٌ يبحثُ في أصولِ تكوينِ الجملةِ و قواعدِ الإعرابِ. فهدفُ علمِ النحوِ أن يحددَ أساليبَ تكوينِ الجملِ و مواضعَ الكلماتِ و وظيفتَها فيها كما يحددُ الخصائصَ التي تكتسبُها الكلمةُ من ذلكَ الموضعِ أو الحركةِ أو مكانِها في الجملةِ، سواءٌ أكانت خصائصَ نَحْويةً كالابتداءِ و الفاعليةِ و المفعوليةِ أمْ أحكاماً نَحْويةً كالتقديمِ و التأخيرِ و الإعراب و البناءِ.



قالَ ابنُ جِنِيٍّ في كتابِه الخصائصِ: "النحوُ هوَ انتحاءُ سَمتِ كلامِ العربِ في تصرفِهِ من إعرابٍ و غيره: كالتثنيةِ، و الجمعِ، و التحقيرِ و التكسيرِ و الإضافةِ و النَّسَبِ، و التركيبِ، و غيرِ ذلكَ، ليلحقَ مَنْ ليسَ مِنْ أهلِ اللغةِ العربيةِ بأهلِها في الفصاحةِ فينطِقَ بها و إنْ لم يكنْ منهم، و إنْ شذَّ بعضُهم عنْها رُدَّ بهِ إليها. و هو في الأصلِ مصدرٌ شائعٌ، أيْ نحوتُ نحواً، كقولِك قصدتُ قصداً، ثمَّ خُصَّ بهِ انتحاءُ هذا القبيلِ مِنَ العلمِ " (الجزءُ الأولُ – الصفحةُ 34)، فالنحوُ عندَ ابنِ جِنيٍّ على هذا هوَ: محاكاةُ العربِ في طريقةِ كلامِهم تجنباً للّحنِ وتمكيناً للمستعربِ من أن يكونَ كالعربيِّ في فصاحتِه و سلامةِ لغتِه عندَ الكلامِ.

معنى النحوِ

أيْ القصدُ أو المِثلُ، و سُميَ العلمُ بهذا الاسمِ لقصدِ المتكلمِ أن يتكلمَ مثلَ العربِ، كما يُسمى هذا العلمُ أيضاً بعلمِ الإعرابِ.
في موضوعِ هذا العلمِ تمييزُ الاسمِ من الفعلِ من الحرفِ، و تمييزُ المعربِ من المبنيِّ، و تمييزُ المرفوعِ من المنصوبِ من المخفوضِ من المجزومِ، مَعَ تحديدِ العواملِ المؤثرةِ في هذا كلِّه، و قد استُنبِطَ هذا كلُّه من كلامِ العربِ بالاستقراءِ، و صارَ كلامُ العربِ الأولُ شعراً و نثراً - بعدَ نصوصِ الكتابِ و السُّنةِ - هو الحجةَ في تقريرِ قواعدِ النحوِ في صورةِ ماعُرِفَ بالشواهدِ اللُّغويةِ، و هو ما استَشهدَ به العلماءُ من كلامِ العربِ لتقريرِ القواعدِ.

أسبابُ نشأةِ علمِ النحوِ العربيِّ

بعدَ المدِّ الإسلاميِّ في العالم و اتساعِ رُقعةِ الدولةِ، دخلَ كثيرٌ من الشعوبِ غيرِ العربيةِ في الإسلامِ، و انتشرتِ العربيةُ كلغةٍ بينَ هذه الشعوبِ، ما أدى إلى دخولِ اللحنِ في اللغةِ و تأثيرِ ذلك على العربِ. دعتِ الحاجةُ علماءَ ذلك الزمانِ لتأصيلِ قواعدِ اللغةِ لمواجهةِ ظاهرةِ اللحنِ خاصةً في ما يتعلقُ بالقرآنِ و العلومِ الإسلاميةِ. و يُذكَرُ من نحاةِ العربِ عبدُللهِ بنُ أبي إسحاقَ المتوفى عام 735 م، و هو أولُ من يُعرَفُ منهم، و أبو الأسودِ الدؤليِّ و الفراهيديُّ و سيبويهِ.و لم يتفقِ الناسُ علي القصةِ التي جعلَتْهم يفكرونَ في هذا العلمِ، و لكنَّ القصةَ الأشهرَ أن أبا الأسودِ الدؤليِّ مرَّ برجلٍ يقرأُ القرآنَ فقالَ ((إنَّ اللهَ بريءٌ من المشركينَ و رسولِه))، كانَ الرجلُ يقرأُ (رسولِه) مجرورةً أيْ أنها معطوفةٌ على (المشركينَ) أيْ أنه غيَّر المعنى؛ بينما الصوابُ أن (رسولُه) مرفوعةٌ لأنها مبتدأٌ لجملةٍ محذوفةٍ تقديرُها (و رسولُه كذلكَ بريءٌ)، فذهبَ أبو الأسودِ إلى الصحابيِّ عليِّ بنِ أبي طالبٍ و شرحَ له وجهةَ نظرِه- أنَّ العربيةَ في خطرٍ - فتناولَ الصحابيُّ عليٌّ رقعةً ورقيةً و كتبَ عليها: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ.الكلامُ اسمٌ و فعلٌ و حرفٌ. الاسمُ ما أنبأَ عنِ المسمى. و الفعلُ ما أنبأَ عن حركةِ المسمى. و الحرفُ ما أنبأَ عن ما هو ليس اسماً و لا فعلاً. ثمَّ قالَ لأبي الأسودِ: اُنحُ هذا النحوَ.

و يُروى أيضاً أن عليَّ بنَ أبي طالبٍ كانَ يقرأُ رقعةً فدخلَ عليه أبو الأسود الدؤليِّ فقالَ له: ما هذه؟ قالَ عليٌّ: إني تأملتُ كلامَ العربِ، فوجدتُّه قد فسدَ بمخالطةِ الأعاجمِ، فأردتُّ أن أصنعَ (أفعلَ) شيئاً يَرجِعونَ إليه، و يعتمدونَ عليه. ثمَّ قالَ لأبي الأسودِ: اُنحُ هذا النحوَ. و كان يقصِدُ بذلكَ أن يضعَ القواعدَ للغةِ العربيةِ. و رُوِيَ عنه أن سببَ ذلك كانَ أن جاريةً قالتْ له (ما أجملُ السماء؟) و هي تودُّ أن تقولَ: (ما أجملَ السماء!) فقال لها: (نجومُها!) إجابةً لها على سؤالِها الذي قصدتْ به التعجبَ لا الاستفهامَ, لكنها أخطأتِ النحوَ.

التسميةُ

وردَ في القاموسِ المحيطِ في معنى كلمةِ "نحو":
«نحا ينحو اُنحُ نحواً نحوَ الشيءِ و إليه. نحا الصديقانِ إلى المقهى أو نحوَه: مالَ إليه و قصدَه؛ نحا الطالبُ نحوَ أستاذِه: سارَ على إثرِه و قلدَه و نحا عنه لم يَقتَدِ به؛ و نحا عن نفسِه الجبنَ و الكسلَ: أبعدَه و أزالَه.»

و من ذلك فقد سُمي علمُ النحوِ بهذا الاسمِ لأن المتكلمَ ينحو به منهاجَ كلامِ العربِ إفراداً و تركيباً.[1]

و في روايةٍ أخرى عن سببِ تسميتِه بالنحوِ: ما رُوِيَ أن عليَّ بنَ أبي طالبٍ لما أشارَ على أبي الأسودِ ظالمِ بنِ عمرِو بنِ سفيانَ الدؤليِّ، أن يضعَ علمَ النحوِ، قالَ له بعدَ أن علَّمَه الاسمَ و الفعلَ و الحرفَ : الاسمُ: ما أنبأَ عن مسمًّى، و الفعلُ: ما أنبأَ عن حركةِ المسمى، و الحرفُ: ما أنبأَ عن معنى في غيرِه، و الرفعُ: للفاعلِ و ما اشتبهَ به، و النصبُ: للمفعولِ و ما حُملَ عليه، و الجرُّ: للمضافِ و ما يناسبُه، اُنحُ هذا النحوَ يا أبا الأسودِ (أيْ اُسلكْ هذه الطريقةَ )؛ فسُمِّيَ بذلك.

الإعرابُ

قالب:تفصيليٌّ الإعرابُ هو أحدُ أهمِّ خصائصِ العربيةِ، وهي خاصيةٌ عُرِفَت بعد أن تفشى النطقُ الخاطئُ في اللسانِ العربيِّ، و إعرابُ العربيةِ هو ما يؤدي لتشكيلِ نهايةِ الكلمات ِفي سياقِ الحديثِ على الوجهِ الصحيحِ سواءٌ كانَ هذا التشكيلُ يختصُ بتغييرِ حركةِ الحرفِ الأخيرِ أو تغييرِ الحروفِ الأخيرةِ في حالاتٍ أخرى، و تُصنَّف حالاتُ الإعرابِ في هذهِ الحالةِ بالرفعِ، و علامتُه الضمةُ أو الواوُ أو الألفُ أو ثبوتُ النونِ، و النصبِ، و علامتُه الفتحةُ أو الياءُ أو الكسرةُ أو الألفُ أو حذفُ النونِ، و الجر، و علامتُه الكسرةُ أو الياءُ أو الفتحةُ، و الجزم، و علامتُه السكونُ أو حذفُ النونِ أو حذفُ حرفِ العلةِ. كما يوجد التنوينُ و هو مضاعفةُ الحركةِ الإعرابيةِ في أواخرِ بعضِ الكلماتِ وغالباً ما يدلُّ التنوينُ على تنكيرِ الاسمِ. و يُعتَبَرُ الإعرابُ من المميزاتِ و الخصائصِ للغةِ العربيةِ، فعن طريقِ الإعرابِ تستطيعُ معرفةَ الفاعلِ أو المفعولِ به في الجملةِ حتى لو قُدِّمَ المفعولُ به على الفاعلِ، مع أنه تقريباً في جميعِ لغات العالم يكون الترتيبُ: فاعلٌ ثمَّ مفعولٌ به، مثالٌ:

زارَ محمدٌ خالداً. (الفاعلُ:محمدٌ، المفعولُ به: خالدٌ)
(و الجملةُ هنا واضحةٌ و تُنطَقُ في أغلبِ لغاتِ العالمِ بهذا الترتيبِ)
زارَ خالداً محمدٌ. أيضاً (الفاعلُ:محمدٌ، المفعولُ به: خالدٌ)

(عرفنا عن طريقِ الضمِّ -أن الفاعلَ دائماً مرفوعٌ- و إعرابُها هنا فاعلٌ مؤخرٌ مرفوعٌ و علامةُ رفعِهِ الضمةُ الظاهرةُ على آخرِه)
إذاً فالإعرابُ أحدُ أهمِّ الأسبابِ لتفوقِ الأدبِ العربيِّ (سواءٌ كان في الشعرِ أو النثرِ أو القصصِ.إلخ) على لغاتِ العالمِ، فعندما تعطي شخصينِ أحدَهما صلصالا ًو الآخرَ حجراً فتسألُهم أن يشكلوا مجسماً جمالياً، فبالتأكيد سيكونُ إبداعُ صاحبِ الصلصالِ أكبرَ من صاحبِ الحجرِ (لقد شُبِّهَ بالصلصالِ و الحجرِ بناءً على مثالِ تقديمِ و تأخيرِ الفاعلِ).

التراثُ النَحْويُّ بينَ الجمودِ و التجديدِ

يُعتَبرُ التراثُ النَّحْويُّ الذي خلَّفَه علماءُ العربيةِ القدماءِ في غايةِ النفاسةِ و التميُّزِ. و قد أفادَ منه العلماءُ و طلابُ العربيةِ على مَرِّ العصورِ و الأزمانِ. فقاموا بشرحِ بعضِه و تهذيبِ بعضِه الآخرِ، و جعلوه مادةً للتدريسِ في حلقاتِهِمُ الممتدةِ من بغدادَ شرقاً حتى غِرناطةَ و قُرطبةَ غرباً. غيرَ أنَّ التراثَ النَّحْويَّ اعتراه ما اعترى غيرَه من العلومِ و المعارفِ؛و عَلِقَتْ به شوائبُ المنطقِ و الفلسفةِ، ما دعا كثيراً من الناسِ إلى الابتعادِ عن كتبِ التراثِ النَّحْويِّ و الزهدِ فيها. و ضعفِ الميلِ إليها و افتقرَ الناسُ إلى الرغبةِ فيها. كلُّ ذلكَ كانَ مدعاةً لظهورِ أصواتٍ متعددةٍ تُنادي بإصلاحِ (النحوِ العربيِّ) و تنقيتِه من الشوائبِ التي اعترَتْه على مرِّ العصورِ و الأزمانِ، و المساهمةِ في تقريبِه و تبسيطِه للطلابِ بمُختلِفِ مستوياتِهِمُ العلميةِ و قدراتِهِمُ العقليةِ.

فظهرَ قديماً و حديثاً من بسَّطَ اللغةَ المستخدمةَ في النحوِ العربيِّ، و من قامَ باختصارِ قواعدِه و بلورتِها، و من ألفَ في طرقِ تدريسِ هذا النحوِ و مناهِجه. و يُعتبَرُ كتابُ ابنِ مضاءٍ القرطبِّي (ت 592ه): الردُّ على النحاةِ؛ من أظهرِ و أميزِ المحاولاتِ القديمةِ التي دعَتْ إلى التيسيرِ و الإصلاحِ في الأصولِ و النظرياتِ العامةِ و التي قامَ عليها النحْوُ العربيُّ قديماً. و قد قامَ الدكتورُ شوقي ضيفٍ (ت 2005) بنشرِ كتابِ ابنِ مضاءٍ القرطبيِّ؛ و كان سبباً في إحداثِ ضجةٍ فكريةٍ و ثقافيةٍ كبيرةٍ في الهيئاتِ و الأوساطِ العلميةِ. و في عصرِنا الحاضرِ تتابعتِ الدعواتُ المطالبةُ بتيسيرِ النحوِ العربيِّ و تبسيطِه للمتعلمينَ. و كان الدكتورُ شوقي ضيفٍ (ت 2005) في طليعةِ العلماءِ الذين تركوا بصمةً واضحةً في هذا الميدانِ. و لم يتوقفِ الأمرُ عندَ شوقي ضيفٍ؛ فقد أصدرَ الأستاذُ إبراهيُم مصطفى كتاباً بعنوانِ (إحياءُ النحوِ)؛ طالبَ فيه بإعادةِ النظرِ في أصولِ النحوِ العربيِّ و مبادئِه. كما أصدرَ الأستاذُ راسمُ طحانٍ كتاباً بعنوانِ "حقيقةُ الإعلالِ و الإعرابِ" حيثُ بسَّط فيه قواعدَ اللغةِ العربيةِ و ذهبَ إلى أبعدَ من ذلكَ؛ إِذِ اتهمَ سيبويهِ بتعمدِ تعقيدِ قواعدِ العربيةِ لتعسيرِ تعلمِها و منعِ انتشارِها.

و الجدير بالملاحظة: أن حركةَ التيسيرِ و التجديدِ في النحوِ العربيِّ لم تزَلْ تسيرُ ببطءٍ شديدٍ؛ و لم يُكتَبْ لها النجاحُ المطلقُ حتى الآنِ !! فما زالتِ الجامعاتُ و المعاهدُ العلميةُ تقومُ بتدريسِ النحوِ العربيِّ من خلالِ أدبياتِه القديمةِ دونَ تغييرٍ !
و من أهمِّ الكتبِ التي جاءَتْ في علمِ النحوِ هو كتابُ شرحِ ابنِ عقيلِ على ألفيةِ ابنِ مالكٍ العسقلانيِّ و هي عبارةٌ عن أبياتٍ شعريةٍ من ألفٍ وثلاثةٍ أبياتٍ نَظَمَها ابنُ مالكٍ و شرحَها ابنُ عقيلٍ تشرحُ قواعدَ النحوِ، تسهيلاً لطلابِ العلمِ النحْوِيِّ.

متنزهاتُ موضوعِ علمِ النحوِ

ضبطُ أواخرِ الكلماتِ إعراباً و بناءً بحسبِ موقعِها من الجملةِ على نحوِ مايتكلمُ به العربُ.

ثمرةُ علمِ النحوِ


و ثمرةُ هذا العلمِ: هو في تَحمُّلِ اللغةِ و أدائِها من جهةِ عَلاقةِ الإعرابِ بالمعنى.
و المقصودُ بالتحملِ هنا: فَهمُ المقصودِ من كلامِ الغيرِ بحَسَبِ إعرابه، فيميِّزُ المسندَ من المسندِ إليه، و الفاعلَ من المفعولِ، و غيرَ ذلك مما يؤدي إهمالُه إلى قلبِ المعاني.
و المقصودُ بالأداءِ: أن يتكلمَ المرءُ بكلامٍ معربٍ يناسبُ المعانيَ التي يريدُ التعبيرَ عنها، و يتخلصُ من اللحنِ الذي يقلِبُ المعانيَ، فيتمكنَ بذلك من إفهامِ الغيرِ.



مراجع : القاموس المحيط والفيروز أبادى مادة النحو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق